المؤسس

محمد إبراهيم السبيعي "رحمه الله"

ولد محمد بن إبراهيم محمد السبيعي عام 1915م في مدينة عنيزة في منطقة القصيم إحدى أقدم مدن نجد وأكثرها تقدما آنذاك، ويعود نسبه إلى قبيلة سبيع المعروفة في المنطقة، وقد اشتهر ذلك العام في شبه الجزيرة العربية بعام جراب نسبة إلى معركة “جراب” التي انتصر فيها الملك عبد العزيز آل سعود على غريمه سعود آل رشيد.

نشأ السبيعي في بيئة فقيرة وظروف اقتصادية قاسية، وعندما بلغ الحادية عشرة من عمره زادت الظروف قسوة بوفاة والده “رحمه الله” عام 1926م، لينتقل بعدها إلى مكة المكرمة مع عمه ناصر السبيعي للعمل لديه في محله الصغير بائعاً في الصباح وكان يجلب الماء إلى بيت عمه وديوانه بثمانية جنيهات مجيدية مقابل 16 ساعة عمل في اليوم ولمدة 10 أشهر، أدرك خلالها أن أجره الزهيد لن يحقق الهدف الذي من أجله ضحى بدراسته ولن يمكنه من تلبية احتياجات أسرته التي تركها خلفه في عنيزة، وبالتالي حاول محمد الالتحاق بالجيش ولكنه لم  يقبل لصغر سنه فعمل في البناء مقابل تسعة قروش في اليوم.

استمر السبيعي في مجابهة ظروف حياته الصعبة وكافح في طلب رزقه رغم صغر سنه وطبيعة الأعمال الشاقة التي تفوق إمكاناته، حتى ساعده أحد المعارف يدعى إبراهيم الفريح ليحصل على وظيفة مشرف على العمال في قصر الملك عبد العزيز بأجرة ريال واحد في اليوم ما يعادل 22 قرشاً.

وفي عام 1930م، أعلن وزير المالية الشيخ عبد الله بن سليمان عن وظيفة حكومية بمسمى “مفتش طريق” لمراقبة الجمارك في قرية المسيجيد الواقعة بين مكة المكرمة والمدينة المنورة براتب 30 ريال في الشهر بالإضافة إلى تأمين المأكل والمشرب والسكن، وتم ترشيح سبعة أشخاص لمباشرة العمل وكان من بينهم السبيعي الذي انتقل إلى المسيجيد وعمل بها لأربع سنوات إلى أن قرر بعدها ترك الوظيفة عملاً بنصيحة والدته التي أضناها البعد وأرقها القلق على سلامة ابنها وأمنه لاسيما أن المملكة العربية السعودية كانت في المراحل الأولى من التأسيس وسن القوانين، ويقيناً منه بأن الوظائف والمهام الروتينية تقيض طموحاته وأحلامه.

وفي عام 1935م، عاد محمد إلى مكة المكرمة برفقة أمه وأخيه عبد الله ، حيث عمل في سوق الجودرية في البيع والشراء وكان دائم البحث عن فرص أفضل، وبتوفيق من الله، تعرف السبيعي على سليمان بن غنيم، أحد تجار مكة والذي كان يهم للسفر إلى المنطقة الشرقية لمدة ستة أشهر لزيارة العائلة، وكان يبحث عن شخص أمين ومخلص في العمل لإدارة متجره لحين عودته. كان عم محمد، ناصر السبيعي، صديقاً لابن غنيم ونصحه بتسليم شؤون محله الصغير إلى ابن أخيه محمد، الذي اتفق مع ابن غنيم على شراكة يقبل بموجبها كل ما في متجر ابن غنيم من أقمشة وعقل وغتر مقابل تسعمائة وخمسين ريالاً، رغم أن قيمتها لا تتجاوز الخمسمائة ريال -حسب تقديره- بالإضافة إلى مناصفة الأرباح، إلا أنه رحمه الله قبل بتلك الشروط لحاجته الماسة للعمل في ذلك الوقت ولإدراكه أهمية هذه الشراكة حيث عزم على أنها ستكون بداية انطلاقه في عالم التجارة.

بدأ السبيعي نشاطه التجاري بكل جهد وشغف، وبدأ يتاجر بالعباءات والغتر والعقل وأخذ يشتري الأقمشة من تجار مكة الذين عرفوه وعمه ناصر ويرسل شحنات من المواد الغذائية إلى التجار في الرياض. ومرت الأيام والأشهر إلى أن عاد سليمان بن غنيم من رحلته ورأى النجاح الباهر الذي حققه السبيعي وقرر ابن غنيم مغادرة مكة والانتقال إلى الرياض لمتابعة أعماله هناك وترك إدارة أعماله في مكة إلى محمد السبيعي ليواصل نجاحاته.

استمرت شراكة محمد السبيعي مع الشيخ سليمان بن غنيم لأكثر من 28 عاماً إلى أن تقاعد ابن غنيم واتفقا على إنهاء شراكتهما بكل ود وأمانة وشفافية، بينما استمرت صداقتهما المبنية على الثقة والاحترام إلى حين وفاة سليمان بن غنيم “رحمه الله” في عام 2000م.

كان السبيعي مصمماً على أن يكرس خبراته المتراكمة من العمل مع عمه ناصر والشراكة مع سليمان بن غنيم وعلاقاته مع تجار مكة؛ حيث قرر الاستثمار في مجال الصرافة وأنشأ مع شقيقه عبدالله شركة محمد وعبدالله إبراهيم السبيعي للصرافة والتجارة عام 1938م.

وفي عام 1957م، وتبعاً لانتقال الحكومة إلى الرياض، اتخذ السبيعي “رحمه الله” قراراً بالانتقال إلى الرياض وتوسيع نطاق أعماله لتشمل التجارة والصناعة والأصول العامة والعقارات، فحسب قوله رحمه الله “في ضوء  انتقال الوزارات الحكومية إلى الرياض، قررت بدأ وتوسيع أعمالي في الرياض، حيث كان لدي عدة أعمال مع عدد من الأمراء والوزراء”.

كان -رحمه الله- تاجراً محنكاً شق طريقه وأثبت نفسه في مكة بلد التجار قبل فترة طويلة من ازدهار المملكة العربية السعودية نتيجة اكتشاف النفط.

واصل السبيعي “رحمه الله” أعماله الخيرية والاجتماعية والتجارية حتى وافته المنية صبيحة يوم الجمعة بتاريخ 26/11/1438هـ الموافق 18/8/2017م عن عمر يناهز المائة وأربعة أعوام في مدينة الرياض، نسأل الله له الرحمة والجنان على ما قدمه لدينه ووطنه.